يختلف الناس في طبائعهم وصفاتهم وأخلاقهم فمنهم الذي يأخذ ولا يعطي ، ويفسد ولا يصلح ويحقد ولا يحب ، ويؤذي ولا يحسن ، ويهدم ولا يبني .
ومنهم الذي يعطي ولا يأخذ ، ويصلح ولا يفسد ، ويحب ولا يبغض ، ويحسن ولا يؤذي ، ويبني ولايهدم ، مؤتمن لا يغش ولا يخدع ، ويثني ويمدح ولا يسب ويقدح ، يبشر ولا ينفر .
أصناف متغايرة وصفات مختلفة ، فلينظر الإنسان من أي الأصناف هو ؟ ومن أي الفريقين يكون ؟!.
وفي مضمار الحياة تظهر الصفات وتختلف الأهداف فالعطاء والإنفاق والبذل والكرم والجود صفات ترفع بأصحابها إلى العلياء .
قال صلى الله عليه وسلم ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . فاليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي الآخذة .
وقوة العزيمة وعلو الهمة والجد في الحياة هي قوة المؤمن الحقيقة التي تعلو بقدره وفضله ( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) .
ولذا يندر من الناس من يتحمل هموم الأمة ويقوم بحقوق الأخوة قال صلى الله عليه وسلم ( الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) .
فنبل الصفات وكريم الخصال لا يقدر عليها كثير من الناس ( فالناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) .
وتلك الصفات الكريمة والمعادن الطيبة لا تختلف في العسر ولا في اليسر ، ولا في الفقر ولا في الغنى ، ولا في الفراغ ولا في الشغل ، ولا في الصحة ولا في المرض .
فمن الناس من تسوء طباعه ، وتفسد أخلاقه وتقبح صفاته ، إذا كثر ماله ، وعظم جاهه ، وفي وقت فراغه وفي خلواته وكأنه يُقابل النعمة بالنكران والكفران .
ومن الناس من إذا عسرت حاله وقلَّ حاله ، فسد خلقه وطاش فعله .
ومن الناس من يأتي أُناس بوجه وآخرين بوجه .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين ) .
ومنهم إذا كان أمام الناس حَسُن خلقه وإذا خلا ببيته انقلب على عقبه ) .
فالإسلام لم يرض أن تكون تلك الصفات ظاهرية جوفاء لا روح فيها .
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( المؤمن من أمنه الناس والمهاجر ما هجر ما نهاه الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .
والمؤمن بصفاته الحميدة وأخلاقه العالية يرجو ما عند الله ولا يرجو ما عند الناس من الثناء والمديح ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءا ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ) .
والمؤمن يجتنب الأخلاق السافلة والصفات المقيتة لوجه الله فيترك الحرام خوفاً من الله ورجاء ما عنده من الثواب لمن ترك الحرام .
وحينئذ يتربى المسلم على مراقبة الخالق جل و علا فيستوي بذلك غيبه وشهادته ، وسره وعلانيته فيخاف الله في السر أكثر وأعظم من خوفه في العلانية فيُعظم رؤية الله أعظم من رؤية المخلوقين فلا يهرب عن أعين الخلق فيقطع المسافات الطويلة ليخلو بمحارم الله فينتهكها ( ألم يعلم بأن الله يرى ) .
وإذا كان في متناول يده ما يدعوه للنظرة المحرمة ، والفعل المحرم فإن لسان حاله يقول ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثوايّ ) .
وإذا أراد أن ينطق بالحرام تذكر ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) .
فيؤصل المسلم في نفسه الرقابة الذاتية فيراقب الله في حركاته وسكناته .
فالمؤمن يكون إيجابيا في كل عمل يعمله فهو لا يعمل عملا إلا يرجو ثوابه وإنما الأعمال بالنيات والإسلام ربى المسلم على الإيجابية في كل شيء ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) حتى في القتل والذبح .
( وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وفي قصة الرجل الذي قطع غصن شجرة عن طريق الناس فأدخله الله الجنة .
والمرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلباً فشكر الله لها فأدخلها الجنة .
وفي المقابل ( دخلت النار امرأة في هرة لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) .
وفي المقابل قوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الملاعن الثلاث البول في الموارد وفي قارعة الطريق...).
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يبول أحدكم في الماء الدائم ) .
وقال ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى من بنو آدم ) .
كل ذلك حتى لا يكون المسلم مصدر إيذاء لإخوانه المسلمين وسبب إفساد لما يشتركون فيه جميعاً .
بل إن المسلم يكون مصدر أمن وطمأنينة لإخوانه ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ليسلم الصغير على الكبير والراكب على الماشي والقليل على الكثير) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) .
وفي المقابل قال صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالحديدة في وجه المسلم وقال ( إن الملائكة تلعنه حتى يضعها ) .
وقال ( إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا ) خ م .
بل نهى المسلم عن ترويع أخيه المسلم وقال ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه قيل وما بوائقه ؟ قال: ظُلمه وغُشمه ) . والجار هنا ليس خاصاً بجار البيت فحتى جار المنزل فيمن نزل منزلاً فآذاه مَنْ بجواره بظلمه وغشمه .
ومن الإيجابية ألا ينتهي عمل المسلم ودوره في الحياة بنهاية عمل وظيفي أو مهني ، بل إن المسلم كلما كان أفرغ كان عمله أكثر وأدوم فالمتقاعد الذي يشعر أن دوره في الحياة انتهى بمجرد تقاعده ففهمه قاصر عن دور المسلم في الحياة فعمل المسلم مستمرا إلى آخر حياته يعطي ويقدم ما بجهده ليؤدي الأمانة التي في عنقه وليس لعمل المؤمن نهاية إلا الموت ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ، والمرأة التي فاتها الزواج لا تحكم على نفسها بالفشل بل تقوم برسالتها في الحياة دون يأس ولا قنوط فلا تستسلم للوساوس الشيطانية وتنظر إلى نفسها بالنظرة القاصرة بل إيجابيتها في الحياة تثمر وتؤثر .
ومن أصيب بعاهة أو نقص في الخلقة لا يكتفي بأن يكون عالة على الآخرين بل يتقدم بإيجابيته فيصنع ما لم يصنعها غيره ، فهذا عمرو بن الجموح رجا أن يطأ بعرجته في الجنة وهذا
ابن أم مكتوم يتقدم وهو أعمى للجهاد في سبيل الله .
فالإيجابية لا تقتصر في وقت دون آخر بل هي في وقت الحاجة آكد ولذلك كان الإيثار من الأخلاق العظيمة ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته ) .
فالمسلم الإيجابي كمثل الغيث أينما وقع نفع ، فهو كالنخلة في ثباتها وعطائها وجمالها قال صلى الله عليه وسلم ( إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي قال ابن عمر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة ) خ .
فنحن بحاجة إلى تربية أنفسنا على الإيجابية وتربية أبنائنا وبناتنا عليها .
تربيتهم على النفع وليس على الضر على الإصلاح لا الإفساد على الخير لا على الشر .
تربيتهم على أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر .
على التعاون على البر والتقوى وليس على التعاون على الإثم والعدوان .
نتكلم عن الإيجابية والناس في إجازة يتنقلون فيها ويختلطون بغيرهم فهم بحاجة إلى الاتصاف بتلك الصفات .
وشبابنا يعيشون فراغهم وهم من أهم من اتصف بالإيجابية ونحن نرى صوراً من السليبة تنتشر فيما بينهم .
وحين يكون المسلم إيجابيا فإنه يقابل الإساءة بالإحسان والبغض بالحب ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .
وحين يكون المسلم إيجابيا فإنه لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يبطش ولا يمشي إلا فيما يرضي الله .
فا المسلم الإيجابي لا يكسب إلا الحلال ولا ينفق إلا في طريق الحلال